الجمعة,13 يوليه 2012 - 06:05 ص : 21445
كتب ترجمة عبير الفقي الباحثة بمعهد البحوث والدراسات الأفريقية
berbera72@yahoo.com
سنتحرك الآن وراء التفسيرات الجزئية التي يقدمها التفسير الهيكلي والانتشاري لدمج التأثيرات التابعة في السياسات الديناميكية الوطنية في التحليل. كما نرى هناك علاقة واضحة وإيجابية بين الاحتجاجات الشعبية والإصلاحات السياسية في أفريقيا المعاصرة ففي الدول ال16 التي قامت فيها احتجاجات شعبية استجابت الحكومات بلا استثناء بإصلاحات سياسية.
fiogf49gjkf0d
ولكن مدى المبادرات الإصلاحية – سواء إجراءات حزبية أو إدارية أو دستورية اختلفت بصورة واضحة من دولة إلى أخرى. في 13 دولة أفريقية ،قامت الحكومات بمبادرات دستورية موسعة، وفي 9 حالات كان رد فعل مباشر للاحتجاجات وفي أربعة دول كانت هناك مبادرات خاصة. تقع زائير في فئة مستقلة دون هذة الفئات لأن موبوتو وعد بالإصلاح قبل وقوع الموجة الأولى من الاحتجاجات، وأخرجت هذه التصريحات آلاف المواطنين الفرحين إلى شوارع وسط المدينة في كينشاسا ملوحين بالفروع ومالئين الشوارع، وفشله في تحقيق ما وعد به أجج إضرابات الأطباء والممرضين والموظفين الآخرين.ونجد انةعمليا بدأت عملية الإصلاحات الدستورية حينما اتخذ القادة خطوة حاسمة أو أكثر: السماح للأحزاب المحظورة بالعمل، أو اجتماع منتدى وطني لمراجعة الدستور، أو تحديد موعد لانتخابات متعددة الأحزاب. وفي الوقت الذي حدثت فيه هذه الإصلاحات بشكل مسلسل فقد تركت بعض الدول مراحل معينة أو عكست التسلسل. فكوت ديفوار على سبيل المثال تحركت مباشرة إلى الانتخابات التعددية بدون المرور بمرحلة المجلس الدستوري، وأعلنت زامبيا عن انتخابات تعددية قبل السماح بالأحزاب. ولم تكن عملية الإصلاحات الدستورية اكتملت في مايو 1991 في العديد من الدول مع استمرار الحوارات حول الإعدادات القانونية لنظام سياسي جديد. ولكن النقطة الحقيقية أن الزعماء الأفارقة عبروا الخط الأحمر حينما سمحوا لمعارضيهم بالمشاركة في حوارات حول مستقبل البلاد الدستوري. فقد حركوا عملية تؤدي لا محالة لمراجعة القواعد التي تحكم السياسة الوطنية. وناقش الحوار الإصلاحي عدد من الأسئلة عن توازن القوى بين السلطة التنفيذية وباقي القوى السياسية والمجتمعية. وللمرة الأولى لم يكن لدى النخبة السياسية خيار إلا بتسليم السلطة والسماح بالحيرة لدخول عملية صنع القرار. وحسب رءوس الدول أن فرصتهم المثلى للبقاء في السلطة هي أن يأخذوا آراء الآخرين في الاعتبار. المسافة التي تحركت فيها الحكومات على طريق الإصلاحات الدستورية الكبرى اعتمدت على درجة القهر السائدة. فزائير على سبيل المثال التي أنشئت فيها ديكتاتورية عشوائية، اعتبر الإعلان عن منافسة بين أحزاب متعددة انفراجة كبرى في القواعد اللعبة السياسية. وعلى النقيض فلم يكن مثل هذا القرار يحتاج إلى إصلاحات دستورية ولا يمثل ابتعادا عن النظام السابق في زيمبابوي التي ألزمها دستور الاستقلال بالسماح بحرية التجمع.
واعتمد مدى الإصلاحات بشدة على رغبة القادة السياسيين في تقليل قبضتهم على السلطة، ولو فقط كإستراتيجية لمنع إصلاح شامل. وهكذا، بدأ القادة في ست دول (جمهورية أفريقيا الوسطى، ومالي، والنيجر، وتنزانيا، وزائير، وزيمبابوي) إصلاحات إدارية ولكن صمتوا على إمكانية التغييرات الدستورية. وأنشأ القادة فتحات في واجهة النظام الشمولي عن طريق الإفراج عن المعارضين المعتقلين، ومنح القليل من حرية الصحافة. وعلى الرغم من ضآلتها، وتطبيقها بشكل مقتصد، وإمكانية الرجوع عنها مثلت تلك الإجراءات تحرر للنظم السياسية القائمة. وحتى أكثر القادة عنادا (كما في كينيا وسيراليون) حاولوا إرضاء المحتجين عن طريق حوار سياسي محدود ومنافسة في حدود الحزب الحاكم. هل هناك أنماط لمدى الإصلاح؟ لا تؤيد المعلومات أي من التفسير الهيكلي أو الانتشاري. ويمكن القول على سبيل المثال أن الحكومات التي لديها اقتصاد أقوى نسبيا من الأخرى تمكنت من تجنب الإصلاح الدستوري عن طريق تقليل حجم الاحتجاجات بالتنازلات الاقتصادية. وفي حين استطاعت النخبة السياسية في كينيا وزيمبابوي استخدام هذه الإستراتيجية بنجاح، لم تتمكن الكاميرون والجابون من فعل هذا. ومن الملاحظ أيضا أن الإصلاح الدستوري حدث بشكل غير متساو في دول غرب أفريقيا الفرانكوفونية، مما أعطي ثقل للتفسير الانتشاري في هذه المنطقة، ربما أيضا بسبب الضغط المتزايد من فرنسا. ولكن أكثر من نصف الدول التي بدأت إصلاحات كانت في هذه المنطقة من أفريقيا. ولهذا نعطي ثقلا للعوامل التابعة مثل القوة النسبية والمهارات وتماسك النخبة والمعارضة. ونرى أن الإصلاح السياسي على المستوى الدستوري يحدث حينما يجتمع عاملان: الموارد السياسية لدى النخبة الحاكمة تنفد، وظهور تحالف سياسي بديل لديه برنامج سياسي. ونناقش هذين العاملين في القسمين القادمين. ولكن دعونا الآن ننظر إلى الصنف الغريب من الدول الأفريقية التي وزعت فيها الحكومات إصلاحات سياسية في غياب احتجاجات محلية ملحوظة. هناك خمس دول في هذا الصنف (كيب فيردي، وغينيا بيساو، ومدغشقر، وساو تومي، وتنزانيا). كدول صغيرة مشت على خطى دولية، حيث قلدت الدول المتحدثة بالبرتغالية والأسبانية موزامبيق في التخلي عن الماركسية والسماح بالمنافسة التعددية. وكانت هذه هي الدول الأفريقية الوحيدة التي بدا فيها انتشار الأفكار السياسية مؤثرا على بدء الإصلاح.