الجمعة,13 يوليه 2012 - 06:11 ص
: 21259

كتب ترجمة عبير الفقي الباحثة بمعهد البحوث والدراسات الأفريقية
berbera72@yahoo.com
في وقت ما خلال عامي 1990 و1991 وبعد تسييس مطالب المحتجين اضطر عدد من الرؤساء الأفارقة إلى الانحناء أمام العاصفة والاستجابة للضغط الدافع إلى مسار التحرر السياسي.
fiogf49gjkf0d
واختلفت الإصلاحات السياسية من حيث المضمون والمدى من دولة إلى أخرى، ولكن كل الحالات اعترفت بحق التعبير السياسي، والتجمع، والطعن. ونذكر ثلاثة أنواع من الإصلاح السياسي : إصلاح حزبي، والسماح بتنافسية أكبر في الحزب الحاكم الوحيد – عادة من خلال التعديلات في الهياكل الحزبية والإجراءات، والإصلاح الإداري، وتتضمن تغييرات في الممارسة الإدارية في الإطار القانوني الحالي، والإصلاح الدستوري لضمان سلطة الحزب والسلطة التنفيذية.
وكانت الإصلاحات الدستورية هي الأكثر تحولية وعادة حدثت بعد الإصلاحين الآخرين
ومن ناحية أخرى لم تتبع الإصلاحات الإدارية والحزبية أي ترتيب تاريخي. بدأ القادة عادة بتحرير المؤسسة التي كانوا يسيطرون عليها بصورة أقوى. فعلى سبيل المثال أنشأ الرئيس الكيني موي بعد احتجاجات يوليو لجنة من أعضاء الحزب لمراجعة هيكل وعمليات الحزب الحاكم الاتحاد الكيني الأفريقي الوطني. وفي مؤتمرات في أنحاء البلاد عبر المواطنون عن مخاوف سياسية وخاصة فساد النخبة، والتفضيل الطائفي، والحاجة لتقليص السلطات التنفيذية للرئيس. ولكن كان موي على استعداد أن يسمح بالإصلاحات من خلال الحزب نفسه، من خلال استعادة الاقتراع السري في ابتدائيات الحزب والتعهد بعدم طرد المخالفين في الرأي من الحزب. وفي الجابون وتوجو والكاميرون ومدغشقر وسيراليون وبوركينا فاسو والكونغو اتخذت اجراءات تحررية مماثلة لتحرير الحزب الواحد – كمقدمة لنظام تعددية الأحزاب أو لمنعه تماما. في الجابون وزائير تغير اسم الحزب. وفي الوقت الذي كانت فيه الإصلاحات داخل الحزب الحاكم جادة وتزيد من التنافسية، كانت أيضا جزئية وتبدو غالباً كأنها محاولات لاستباق تغييرات حقيقية أخرى. وقلما استجابت للمطالبات الجماهيرية بالتعددية السياسية.
بدأت الإصلاحات السياسية في أنحاء أخرى من أفريقيا حينما رفع الزعماء الأفارقة القيود على النشاط السياسي للصحفيين والمفكرين وزعماء المعارضة. ففي تنزانيا تم تخفيف القيود على حرية الصحافة، وظهور مطبوعات جديدة، وبدأ الإعلام الحكومي يعرض آراء أوسع ومنها مناظرات عن مزايا الحزب الواحد. وفي زيمبابوي أفرجت الحكومة عن 250 معتقل سياسي وأنهت حالة الطوارئ التي كانت في البلاد منذ الاستقلال.
ولكن لم تتعد بعض الحكومات الإصلاح الحزبي والإداري، في حين أصدرت بعض الدول الأخرى – مثل الكونغو وبوركينا فاسو – إصلاحات أخرى على الطريق لتقبل تغيرات أكبر (انظر جدول 2). وفي دول أخرى – مثل كيب فيردي وكوت ديفوار – فتحت مبادرات التعديلات الدستورية التي تلغي نظام الحزب الواحد وتسمح بأحزاب المعارضة والانتخابات الحرة.
خطوتان إلى الأمام وخطوة إلى الخلف
وكما كانت جزئية، كانت عملية الإصلاح في أفريقيا عرجاء ومتناقضة. ففي حين قدم القادة بعض التنازلات البسيطة بيد، كانت الأخرى تحطم. ففي نفس الوقت الذي بدأت فيه اللجنة الحزبية للإصلاح في كينيا، كان الرئيس موي يسعى لغلق الحوار السياسي عن طريق القبض على معارضيه وتقرير إنهاء الحوار الوطني حول التعددية الحزبية. وفي نفس الوقت الذي منح فيه رئيس الجابون بونجو الرواتب والمميزات للعمال المعتصمين، منع كل الاعتصامات والتظاهرات وفرض حظر تجول جزئي. وربما تعد حالة موبوتو رئيس زائير هي أفظع حالات الإصلاح الفاسد، فأطلق العنان للحرس الجمهوري الخاص بمذبحة للطلبة في جامعة لوبومباشي بعد أسبوعين من إعلانه العودة إلى تعدد الأحزاب.
حاول بعض القادة الآخرين التحايل على الإصلاح الحقيقي عن طريق التغيير في النخبة السياسية. استخدموا التغييرات الوزارية في محاولة لمنع معارضيهم من انتهاز فرصة السخط العام، وحرضوا على حملات "إعادة هيكلة الحزب" للتأكد أن المسئولين يطبقون سياسة الحزب الحاكم. فعلى سبيل المثال في توجو أعلن الرئيس إياديما تنشيط الحزب الحاكم استعدادا للانتخابات. وأقال الرئيس الزامبي كاوندا وزراء ونقل محافظين في محاولة لعزل المعارضة وترسيخ الانتماء السياسي. ولم تصل هذه الإجراءات إلى حد الإصلاح السياسي لأنها غيرت مواقع الحرس القديم بين المكاتب السياسية المختلفة. وفي هذه المرحلة لم يحدث تغير هيكلي في المؤسسات السياسية ولم يوسع مجال المنافسة السياسية.
وأيضا حينما اضطر القادة للتراجع، لم تغير النتيجة النهائية النظام السائد. سابحاً ضد التيار، قاد رئيس زيمبابوي موجابي كرسول الحزب الواحد، معتبرا النجاح الساحق لحزبه في انتخابات مارس 1990 ذريعة لتحويل زيمبابوي إلى دولة الحزب الواحد بحكم القانون. ولكنه ووجه بثورة من داخل الحزب ورفص المكتب الرئيسي منحه السلطة الضرورية. فأعلن موجابي في سبتمبر 1990 عن تراجعه عن خطط تحويل الدولة إلى نظام الحزب الواحد وفي نفس الوقت التأكيد على رغبته في انتصار الحزب في صناديق الاقتراع.
ومن ناحية أخرى صمم بعض "الرجال الأقوياء" على بقاء النظام الشمولي. ففي غانا، طبق جيري راولينجس برنامج محكوم بدقة من الأعلى للأسفل لبناء دولة غير مركزية لابسا رداء الديمقراطية الموجهة. وفي مالاوي استمر الرئيس مدى الحياة هاستينجس باندا في إنكار فرص المعارضة السياسية خارج وحتى داخل حزب المؤتمر المالاوي. ونجحت سياسة "لا للإصلاح" تلك في الدول التي لم تحدث فيها احتجاجات شعبية ملحوظة مثل غانا ومالاوي.
نحو الإصلاح الدستوري
وفي العديد من الدول الأفريقية استمرت الاحتجاجات بعيداً إلى مايو 1991. وتحت مواجهة المعارضة المستمرة بدأت النخبة السياسية تدرك أنها فقدت القدرة على الحكم بدون تجديد شرعيتها. وبدأ المواطنون في التطلع إلى احتمال أن بعض الأنظمة ذات الحزب الواحد من الممكن أن تعقد انتخابات تعددية الأحزاب غير محسومة النتائج – وهو ما كان بعيد المنال في السابق. وفي دول عديدة مثل بنين، الكونغو، وتوجو، كانت بداية الإصلاح الحقيقي حينما وافق القادة السياسيون على تعديلات دستورية مبنية على مصالح اجتماعية لطبقات متعددة. ففي بنين كسب المؤتمر الوطني للقوى النشطة – بمشاركة 7 وزراء ومشاركين من منظمات سياسية ودينية ونقابات عمالية – تفويض لصياغة دستور جديد. وفي دول أخرى مثل مالي، والكاميرون، وبوركينا فاسو جرت النقاشات حول التعديلات الدستورية داخل الحزب الواحد الحاكم. وفي زامبيا، صيغت تعديلات دستورية متزامنة في مجلس الشعب ولجنة رئاسية، في حين وجهت لهما انتقادات من المعارضة أنهما يميلان بشدة نحو الحزب الحاكم.
وأطاحت هذه المنتديات الفرصة التاريخية للأفارقة لصنع حكومات من تصميمهم وعمل تغييرات دستورية مبدعة. واقترح المجتمعون إجراءات لتقليص صلاحيات السلطة التنفيذية عن طريق تقليل عدد مدد ولايات الرئيس. في الجابون وساو تومي كانت فترة الرئاسة محددة بفترتين كل منهما خمس سنوات. وفي ذات الوقت وازنت الإصلاحات القوى بين الحزب والدولة عادة بإنهاء الميزات الدستورية للأول. ففي بنين تم إلغاء الدور القائد للحزب داخل الدولة في ديسمبر 1989. وفي الكونغو فرض المجتمعون تعيين رئيس ومجلس وزراء جديدين وأقروا إجراءات للتحكم في الإنفاق ومميزات السفر الخاصة بالرئيس.
وكانت أكثر الاختراعات الدستورية إدهاشا ما يتعلق بالمنافسة التعددية الأحزاب. في الدول التي منعت فيها الأحزاب المعارضة، سمحت بها قانونيا. في مدغشقر على سبيل المثال تبع إصدار قانون يسمح بالأحزاب المستقلة إنشاء أربعة أحزاب جديدة. وفي زائير استقال موبوتو سيسيسيكو من رئاسة الحركة الشعبية للثورة منهياً احتكارها للسلطة برفع حظر استمر 20 عاما على إنشاء الأحزاب. وفي النيجر قرر المجلس الأعلى للتوجه الوطني أن يقنن أوضاع ثلاثة أحزاب سرية.
وربما كان تنازل الرئيس الزامبي كاوندا بالدعوة إلى انتخابات تعددية هو نقطة التحول الأبرز. ففي حين استمات كاوندا ضد فكرة التعددية الحزبية، بدأ في التراجع منذ أبريل 1990 بالموافقة على استفتاء شعبي على الموضوع. وانتهت ألاعيبه لتأخير هذا الاستفتاء بسرعة لأن بحلول سبتمبر من نفس العام ملأت مسيرات غير مسبوقة للمطالبة بالتعددية شوارع المدن الزامبية، وزاد عدد المشاركين في إحداها على 100.000 شخص. وفي نفس الشهر قرر المجلس الوطني للحزب الحاكم – الجهة التي تصنع السياسات – إلغاء الدعوة إلى الاستفتاء والانتقال مباشرة إلى نظام ودستور متعدد الأحزاب.
وبحلول مايو عام 1991، حددت نصف الدول في عينة الدراسة (15 من 30) موعد لإجراء انتخابات تعددية (جدول 2). وتمت بالفعل في خمس دول: بنين وكيب فيردي وكوت ديفوار وساو تومي، وستتم مناقشة النتائج في الخلاصة.
مسائل تحليلية
ننتقل الآن من الوصف إلى التحليل، ونتحقق من أسباب، وطبيعة، ومردودات مبادرات التحرر السياسي في أفريقيا.