الإثنين,25 أكتوبر 2010 - 11:12 م
: 23596    


في صيف 1993 أشعل "صموئيل هانتنجتون" في المقالة التي نشرتها مجلة "فورين أفيرز" بعنوان "صدام الحضارات" نارا مستعرة لم تخمد حتى الآن؛ فهو يتنبأ بصراع من نوع جديد سوف ينشب بين الحضارات، وخاصة بين الحضارة الإسلامية والغربية، بل ويذهب إلى أبعد من هذا، بزعمه أن للإسلام حدودا دموية وأنه رأس الفساد والخطر الأوحد على الغرب في الفترة المقبلة

edf40wrjww2article:art_body
fiogf49gjkf0d


ومن هنا اصبح من من الضرورة معرفة كيف يفكر الآخر "الغرب"، ومحاولة نسج حوار جديد معه يقوم على تقديم صورة حقيقية لا يعتريها الغموض والتشويه والتشوش عن العرب والمسلمين كافة، بدلا من أن ندير ظهورنا بدعوى أن هذه الأراء تعبر عن رأي كاتبها فقط، أو أن المسلمين لا يجب عليهم الرد على هذه " المهاترات" لأن الإسلام أكبر من هذا وتشكلت من أجل ذلك العديد من المنتديات الدولية .

هذه بعض الحقائق التي يجب ألاّ تغيب عنّا ونحن ندعو إلى الحوار مع الحضارات الأخرى ، أو نستجيب لدعواتها ، أو نمارس هذا العمل ، نعيها جيّدا حتّى لا نفوّت الفرصة على أنفسنا في التّقارب ، ولا نفقد أنفسنا في خضم هذه الحركات الهائلة المصيريّة في علاقتنا مع الغير .ولنعلم أنّنا " أمام حضارة قويّة طاغيّة تركب فوق حضارة قديمة صلبة وعميقة

3 – من آثار الحوار بين طرفين غير متكافئين . فرض الطّرف القويّ المهيمن على الطّرف الثّاني اختراق السّيادة الثّقافيّة لها بالتّدخّل في مناهج تعليمها مثلا ، وتوجيه منظومتها الإعلاميّة ، وترتيب علاقتها بفئات المجتمع ، وتحديد نمط معيشتها ، والتّدخّل في وضع قوانينها.

كما يرى هانتنجتون أن العالم الإسلامي يشهد نمواً سكانياً بعيد المدى في تأثيراته على مستقبل العالم الإسلامي نفسه وعلى علاقاته مع الحضارات الأخرى ، فهذا النمو في تصاعد مستمر ويأخذ أبعاداً خطيرة على مستقبل العلاقة مع الغرب مما يجعل هذا النمو عاملاً أساسياً ومهماً في مد الصحوة الإسلامية بالعناصر الشابة النشطة المؤمنة بقيمة الحضارة الإسلامية وهذا حسب تصوره سوف يشجع التطرف مؤكداً أيضاً على هجرة العناصر الشابة المدربة من المسلمين إلى أوروبا والأخيرة تعاني من مشكلات كثيرة مما تتصاعد الصعوبة معها بخاصة إذا ما علمنا أن المجتمع الغربي نفسه لم يعد قادراً على استيعاب هذا التنوع الثقافي

والواقع ان هانتنجتون استخدم مفهوم الثقافة بمعنى الحضارة وعلى أن الحضارة هي الثقافة ، وهو عندما يستخدم الحضارة على أنها ثقافة يعني أنها تنطوي على الدين والقيم والمعتقدات والرموز والأفكار وغيرها ، ويحاول أن يصور الصراع أو الصدام في القرن الواحد والعشرين على أنه سيكون بين الحضارة الغربية من جهة وبين الحضارتين الإسلامية والكونفوشيسية من جهة أخرى ، فعندما يتحدث عن الصراع بين الحضارات الدينية فإنه يغفل تماماً الصراع بين اليهودية والغرب أو بين اليهودية والمسيحية والأسوأ من ذلك أنه لم يستخدم الدين كمعيار للتصنيف إلا عندما جاء ذكر الدين الإسلامي أو الحضارة الإسلامية ، كما أنه يقع في خطأ منهجي عندما حاول تصنيف الحضارات من خلال معايير مختلفة ، فهو يصنف الحضارات استنادا لمناطق جغرافية أو بيئية أو إلى عرق أو دين وهذا لا يتفق مع المنهجية العلمية التي تتطلب تحديد المعايير والمفاهيم حتى يكون التصنيف منطقياً متسقاً أي تصنيف الحضارات - على سبيل المثال - على أساس ديني كمعيار واحد ، وهذا ما افتقر إليه هنتغنتون في هذا المجال

ونلاحظ اليوم ان العالم يعيش متغيّرات كثيرة أنتجت تحدّيات عديدة :اقتصاديّة اجتماعيّة وسياسيّة ، وأخطرها التّحدّيات الفكريّة والثّقافيّة ، التي أفرزت مجموعتين من النّاس : مجموعة تحاول بسط هيمنتها وقوّتهاعن طريق فرض فكرها وثقافتها على العالم ؛ انطلاقا من شعار عالمية الثّقافة أو كونيتها ووحدة الثّقافة . فسنّت لذلك قوانين ، وابتكرت أنظمة ، واخترعت نظريّات ، تعلي من شأنها وتحطّ من قيمة ما يمتلكه غيرها
ومجموعة ثانيّة نظرت إلى المجموعة الأولى بعين الإكبار والإعجاب ، أو نظرة الرّهبة والخوف . فكانت تستجيب لأوامرها ، وتخضع لتوجيهاتها ، وتحرص على تحقيق مصالحها ، وتنفيذ مخطّطاتها ، أو على الأقلّ عدم الوقوف في طريق مطامعها .
رأت المجموعة الأولى أنّ فرض الفكر بالقوّة وبسط الهيمنة بالقهر ، قد يعرّض خططها للنّسف ، ويهدّد مصالحها بالتّعطيل ، وقد يؤلّب عليها الشّعوب ، فابتكرت وسيلة ماكرة وهي فكرة " الحوار بين الحضارات " لتمرّر من خلاله مشروعاتها ، وتصل إلى اهدافها ، وهي الاستيلاء على مقدّرات الشّعوب ، وفرض سيطرتها المطلقة على المجموعة الثانية

وهتا يثور تساؤل من أين يأتى الصدام اذن ؟من أين تنشأ المشكلة؟بالتأكيد تأتى من الطرف الذى يرفض المبادرة السلمية ويستخدم وسائل الاكراه فى فرض هيمنته ورؤيته ومصالحه.
وبالتالى نحن أمام الوضع التالى:
العالم الاسلامى لا يتدخل (ولا يقوى) فى الشئون الداخلية للعالم الغربى , بينما يتعرض هو للاعتداء والاحتلال و التدخل فى أخص شئونه الداخلية ونتيجة لذلك يلجأالى المقاطعة والقتال و العداوة ردا على العدوان وحماية النفس والوطن والعقيدة , وليس لنشر الدين بالقوة أو لابادة المخالفين فى الرأى والعقيدة.

وهناك عدة حقائق يجب ابرازها
1– إنّ التّعدّد والتّنوّع الثقافي سنّة الكون فالحياة أساسها التّنوّع والتّعدّد.
فال الله تبارك وتعالى : ومن آياته خلق السّموات والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم إنّ في ذلك لآيات للعالمين
إنّ اختلاف الألسن يعني تعدّد القوميات ، واختلاف الألوان يعني تعدّد الأجناس البشريّة.
2 – سيطرة حضارة ما يؤدّي حتما إلى إضعاف الحضارات الأخرى من هنا يجب على كلّ حضارة أن لا تقبل بهيمنة أيّة حضارة عليها ، وأن تكون حاضرة بمحاورتها الأخريات ، وبفرض وجودها في السّاحة ، وبالتّفاعل مع غيرها تأثيرا وتأثّرا.

4 – إنّ الغرب يحاول السّيطرة على العالم بكلّ ما يملك من قوّة ، وأمريكا تعمل على أمركة العالم اقتصاديّا تمهيدا للهيمنة عليه ثقافيّا ، ومن ثمّ إلغاء الثّقافات الأخرى . فقد قال "روزفلت " في الأربعينيّات من القرن العشرين : إنّ قدرنا هو أمركة العالم . وقال " نكسون " : يجب على أمريكا أن تقود العالم . وقال "جورج بوش " الأب في أوائل التّسعينيّات : إنّ القرن القادم ينبغي أن يكون أمريكيّا . وهذا ابنه اليوم ينفّذ دعوة أبيه ، ويعمل على الهيمنة على مقدّرات العالم ، وضرب أيّة محاولة للنّهوض أو البروز ، ومحاولة ضرب الثّقافات وهدمها أو تفكيكها من الدّاخل ... والمستهدف الأوّل هي الحضارة الإسلاميّة أو العالم الإسلامي. فالغرب عموما والولايات المتّحدة الأمريكيّة خصوصا ترى أنّ المسلمين يملكون من مقوّمات القوّة ، ومن أسباب النّهوض ما يمكّنهم من منافسة الحضارة الغربيّة ، بذلك فهم يمثّلون الخطر الأوّل عليها ، لهذا يجب ضربهم وإضعافهم ، وقد تكون فكرة فتح الحوار معهم إحدى وسائل إضعافهم.







التعليقات

الآراء الواردة تعبر عن رأي صاحبها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

الأكثر قراءة

الموجة الرابعة للتحول الديمقراطي: رياح التغيير تعصف بعروش الدكتاتوريات العربية - عدد القراءات : 82916


عقوبات التزوير في القانون المصري - عدد القراءات : 82149


تعريف الحكومة وانواعها - عدد القراءات : 58405


النظام السـياسي الفرنسي - عدد القراءات : 55601


طبيعة النظام السياسي البريطاني - عدد القراءات : 53933


مفهوم المرحلة الانتقالية - عدد القراءات : 51642


معنى اليسار و اليمين بالسياسة - عدد القراءات : 48140


مفهوم العمران لابن خلدون - عدد القراءات : 47819


ما هى البورصة ؟ و كيف تعمل؟ وكيف تؤثر على الاقتصاد؟ - عدد القراءات : 46072


منظمة الفرانكفونية(مجموعة الدول الناطقة بالفرنسية) - عدد القراءات : 45655


الاكثر تعليقا

هيئة الرقابة الإدارية - عدد التعليقات - 38


اللقاء العربي الاوروبي بتونس من أجل تعزيز السلام وحقوق الإنسان - عدد التعليقات - 13


ابو العز الحريرى - عدد التعليقات - 10


الموجة الرابعة للتحول الديمقراطي: رياح التغيير تعصف بعروش الدكتاتوريات العربية - عدد التعليقات - 9


لا لنشر خريطة مصر الخاطئة او التفريط في شبر من أراضيها - عدد التعليقات - 7


الجهاز المركزي للمحاسبات - عدد التعليقات - 6


تعريف الحكومة وانواعها - عدد التعليقات - 5


الليبرالية - عدد التعليقات - 4


محمد حسين طنطاوي - عدد التعليقات - 4


أنواع المتاحف: - عدد التعليقات - 4


استطلاع الرأى