الجمعة,17 فبراير 2012 - 03:15 م
: 28032

لكي نطلق على مجتمع ما بأنه مجتمع ديمقراطي، لابد من التطرق إلى مدى ممارسة هذا المجتمع لمفهوم الديمقراطية من حيث الشكل والمضمون على السواء، فلا يمكن اعتبار مجتمع ما أو دولة بأنها ديمقراطية دونما أن تتوافر فيها الشروط الأساسية لممارسة العملية الديمقراطية
fiogf49gjkf0d
وتتمثل في أربعة مقومات أساسية وهي:
الانتخابات، لضمان حق التداول السلمي للسلطة وضمان حصول النخب الحاكمة على تفويض شرعي من الشعب بشكل دوري ومنتظم من خلال عملية انتخابية حرة عادلة ونزيهة تضمنها سرية ونزاهة تلك العملية الانتخابية.
كما يتطلب تحقيق الديمقراطية توفر حالة
سيادة القانون، وهي المقوم الثاني المطلوب لتحقيق الديمقراطية والذي يكفل تحقيق الأمن والاستقرار من خلال تحقيق العدالة والمساواة للجميع تحت القانون، وهي تعني خضوع الحاكم والمحكومين للقانون الموضوع أصلاً من نواب الشعب والموافق عليه من ممثلي الشعب ضمن عملية توافقية عبر الأطر التمثيلية التي غالباً ما تكون عبر البرلمان المُنتَخب من قبل الشعب في العمليات الانتخابية، كما تعني سيادة القانون وجود ضمانات قانونية ودستورية لحق التقاضي بشكل عادل يضمنه وجود قضاء نزيه مستقل وفاعل يعمل على تحصيل الحقوق للمواطنين ويضمن حقهم في التعويض من خلال البت في المنازعات التي تحدث بين المواطنين أنفسهم أو بين المواطنين والمسئولين أو بين السلطات نفسها في حالة التنازع على السلطات والسيادة بين أذرع السلطة المختلفة.
كما أن
الشفافية تعتبر المقوم الثالث الواجب توفره للديمقراطية وهي التي تضمن وجود آلية للمحاسبة والمراقبة، من قبل المواطنين لممثليهم المُنتَخبين من خلال تعرفهم على أدائهم وكيفية قيامهم باستخدام السلطات الممنوحة لهم والتفويض الشعبي الذي مُنح لهم عبر ضمان إطلاعهم على سير عملهم أثناء أدائهم لمهماتهم كمسئولين سواء في البرلمان أو الحكومة أو القضاء، ولا يمكن لهذه العملية أن تتم إلا من خلال ضمان إطلاع المواطنين الكامل على أداء الممثلين عبر وسائل شفافة تضمن تزويدهم بالمعلومات بشكل دوري وممنهج دونما تدليس أو تزييف وهو الأمر الذي يتطلب فتح جلسات البرلمان أمام المواطنين للحضور أو بثها عبر وسائل الإعلام أو نشر محاضر الجلسات للمواطنين، كما يتطلب الأمر السماح للمواطنين بمراجعة أداء حكوماتهم عبر ممثليهم المُنتَخبين بتقديم الاستجواب والاستفسار للوزراء من أعضاء الحكومة والتي قد تصل لحد المطالبة بحجب الثقة عن الحكومة.
وجميع المقومات الثلاثة السابقة تبقى شكلية مقارنة بالمقوم الرابع من مقومات الديمقراطية وهي
مشاركة المواطنين في عمليات اتخاذ القرار؛ لضمان تحقيق مصالحهم ضمن أجندة المسئولين خصوصاً القرارات التي تتعلق بحياتهم وتؤثر فيها سواء كانت قوانين تشريعية أو إجراءات وتعليمات تنظيمية حكومية تمس حياة المواطنين على صعيد الضرائب، الإنفاق العام، والخدمات المقدمة.
لذا وحسب المقومات الأربعة السابقة؛ فإن تقييم أي نظام حكم في العالم يخضع إلى أي مدى يتم الالتزام بها وما مدى نسبة تحققها من حيث الشكل والمضمون على السواء. وتبقى هذه المبادئ الأربعة عرضة للتفسيرات والادعاءات المختلفة، في حين أن المقياس الحقيقي لمدى وجود نظام ديمقراطي يكمن في مدى مشاركة المواطنين في عمليات صنع القرار، وإلى أي مدى يأخذ المسؤولون اهتمامات ومصالح ناخبيهم بعين الاعتبار عند اتخاذ القرارات.
كما تتطلب المسيرة الديمقراطية الصحية وجود أحزاب سياسية صحية، أي أحزاب ديمقراطية تقوم على القيم والمبادئ الوطنية وتكون متفقة قولا وعملا على تحريم العنف والاحتكار السياسي سواء في إطار الحزب أو السلطة، أي القبول بالانتقال السلمي للسلطة في ظل توفير آلية انتخابات حرة. وتلتزم فعلا بحقوق الإنسان السياسية والاجتماعية، إضافة إلى القبول بالتعددية. وهنا من المفيد ملاحظة أمرين: اولهما إن التعددية لا تعني تركيز الانقسامات الاثنية- المذهبية- الطائفية- القبلية، اللغوية، كما إن الإقرار بالحقوق الوطنية- الثقافية لكافة التنوعات اللغوية في البلاد، لا يعني القبول بانفصال وانفصام هذه المجموعات عن بعضها، لأن هذه الحالة تقود إلى اضمحلال مفهوم الدولة الوطنية، والوقوع في براثن التعصب والتجزئة، المطلوب أن تقود هذه الحرية إلى مزيد من التعارف و الحوار على طريق بناء التثاقف الاجتماعي السياسي.