التعريف بالجمهورية الفرنسية

15-05-2012 10:19 PM - عدد القراءات : 25888

فرنسا هي بلاد واقعة في أوروبا الغربية، وتتكون من مجموعة جزر وأراضٍ وراء البحار، وتمتد فرنسا من البحر الأبيض المتوسط إلى القناة الإنجليزية وبحر الشمال، ومن نهر الراين إلى المحيط الأطلسي، وبسبب شكلها تعرف فرنسا من قبل الفرنسيين "بالسداسي". وهي مجاورة للمملكة المتحدة، بلجيكا، لوكسمبورغ، ألمانيا، سويسرا، إيطاليا، موناكو، أندورا، وإسبانيا.

fiogf49gjkf0d
 وتشترك الجمهورية الفرنسية في حدود الأرض أيضاً في الخارج مع البرازيل، سورينام، وجزر الأنتيل الهولندية. وفرنسا هي إحدى الأعضاء المؤسسين للاتحاد الأوربي، وهي الأكبر مساحة من بينهم وعضو مؤسس للأمم المتحدة وإحدى الأعضاء الدائمين الخمسة لمجلس الأمن، وهي أيضاً إحدى البلدان الثمانية المقرة بالقوة النووية.

وقد جاء الاسم فرنسا من إمبراطورية الفرنجة، القبيلة الجرمانية التي احتلت المنطقة بعد سقوط الإمبراطورية الرومانية، وبالتحديد المنطقة حول باريس التي كانت مركز السيادة الملكية الفرنسية. وغالبية السكان من الفرنسيين ويعتنقون الديانة المسيحية الكاثوليكية. وتحتل فرنسا الحالية أغلب المساحة التي قامت عليها بلاد غالة التي أصبحت مقاطعة رومانية ثم جاءت القبائل الجرمانية إلى المنطقة حوالي القرن الرابع للميلاد واستقرت فيها احدى هذه القبائل والمعروفة باسم الفرنجة، ومع زوال الإمبراطورية الرومانية أعطت هذه القبيلة اسمها للبلاد (فرنسا) فيما بعد.

توحدت المنطقة التي تشملها فرنسا اليوم لأول مرة سنة 486 م عندما قام الملك كلوفيس الأول بلم شمل القبائل الجرمانية تحت لواء قبيلة الفرنجة وضمت المملكة الجديدة قبائل عدة، وبعد الوحدة انشطرت المملكة (والتي كانت تسمى بلاد غالة) إلى ممالك، حكم كل منها أحد أبناء عائلة الميروفنجيين، ثم حلت سلالة الكارولنجيين محل الميروفنجيين منتصف القرن الـ8 للميلاد وقامت بتوسعة أراض المملكة، ثم أصبحت إمبراطورية عندما قام البابا ليو الثالث بتتويج شارلمان امبراطوراً عظيماً على الرومان في عام 800م. وبعد موت الأخير قسمت مملكته من جديد ولكن في عام 842 م قام أحفاد شارلمان بالتوقيع على وثيقة حلف ( شتراسبورغ)، حيث يعتبر بعض المؤرخين في فرنسا هذه الوثيقة عقد الميلاد الرسمي لبلاد فرنسا (و ألمانيا كذلك). وقد حكم أبناء شارلمان أو الكارولنجيون مملكة الفرنجة حتى سنة 987 م. وفي هذه السنة تم تتويج الدوق هوغ كابيت ملك للبلاد وحلت بذلك سلالة جديدة هي سلالة الكبيسيون، حيث قام أحفاد الأخير بتوسيع رقعة الأراضي الملكية وأحكموا دعائم الدولة الجديدة ومنذ القرن الـ12 م. حكمت السلالة الكبيسية فرنسا بطريقة مباشرة أو عن طريق فروع أخرى حتى قيام الثورة الفرنسية سنة 1789 م.

عصر التنوير

لا يمكن الحديث عن الثورة الفرنسية وبداية نشؤء النظام السياسي الفرنسي الحديث بدون الحديث عن عصر النهضة وحركة الاصلاح الديني بشقيه (الكاثوليكي والبروتستانتي) وما احدثته من تغيير جوهري في التكوين الاوروبي على كافة الصعد بعد فترة حروب دينية دامية ادت الى تقلص نفوذ الكنيسة الكاثوليكية والدعوة الى التسامح الديني وظهور النزعات القومية التى سعت للتحررمن قبضة روما، نتيجة لظهور كثير من المفكرين والفلاسفه الذين بدؤوا يخوضون في موضوعات فكرية وعلمية كانت ممنوعه من قبل الكنيسة. والواقع ان حركة التنوير لم تكن مرتبطة ارتباطاً دائماً بأية مدرسة فلسفية معينة، وانما كانت نتيجة الصراعات الدينية الدموية غير الحاسمة التي شهدها القرنان السادس عشر والسابع عشر، مما دفع كثير من الفلاسفة والمفكرين الى الدعوة الىالتسامح الديني، حيث كان هذا المبدأ مستحباً عند لوك وسبينوزا, وفي الوقت ذاته كان لهذا الموقف الجديد في مسائل الايمان نتائج سياسية بعيدة المدى. ذلك لانه كان لابد من ان يقف في وجه السلطة الجامحة في اى ميدان. فحقوق الملوك الالهية لا تتمشى مع التعبير الحر عن الآراء حول الدين.

وفلسفة الأنوار هي حركة فكرية ظهرت في النصف الأول من القرن 18 وأعادت الاعتبار للعقل، وجعلت منه الموجه الأساسي للفكر منتقدة هيمنة الكنيسة والاستبداد ونادت بالحرية والمساواة، واعتمدت فكرة فصل السلطات (تشريعية، تنفيذية، وقضائية). ومن بين أهم ملامح هذا الفكر ما خلفه مونتسكيو في (روح القوانين) سنة 1748، وفولتير في (القاموس الفلسفي) سنة 1771، وجان جاك روسو في (العقد الاجتماعي) سنة 1762، حيث رفع هؤلاء جميعاً شعارات عن المساواة والاخوة والحرية، وكان لهم أثر كبير في توجيه الأنظار بقوة الى ان النظام الملكي وتحكم الارستقراطية في ثروة البلاد أصبح نظاماً قديماً لا يليق بفرنسا.

ففولتير - الذي كان مزاجه فلسفياً- جاءت اغلب كتاباته الادبية فلسفية المنحى والتناول، واوقعته في صدام مع الملكية والاقطاع والكنيسة واعتقل بسببها مرتين وامضى من حياته خمسة عشر عاماً منفياً من باريس، وثلاثين سنه منفياً من فرنسا، وعمل خلال كتاباته على توجيه انتقادات لاذعه لنظام الحكم في فرنسا ولطبقة الاكليروس (رجال الدين)، وطالب بتوحيد القوانين ومساواة الناس جميعهم ازائها، وبازالة كافة القيود المفروضة على حركة التجارة الداخلية وغيرها من القضايا التي عمل من خلالها على تقويض النظام بحيث اصبح الشعب الفرنسي يتطلع لنظام جديد يختلف كلياً عن النظام القديم الذي وصفه احد الاساقفه الفرنسيين بقوله: ان بيت الرب مخصص لثلاث فرق، الاولى تصلي فيه، الثانية تحارب فيه، الثالثة تعمل فيه" هكذا كان العالم المسيحي في العصور الوسطى الباكرة مقسماً الى ثلاث طبقات اجتماعية هي : رجال الدين، والنبلاء، وعامة الناس.

لقد كان النظام القديم يقوم على اساس الملكية المطلقة التي تحكم باسم (الحق الالهي) وان الملك هو الحاكم الاعلى المفوض من قبل الله، ومن ثم فلا بد للشعب ان يحترم الملك وان يطيعه ولا يتمرد عليه، ولكن ظهرت افكار الفيلسوف الانجليزي لوك حيث دعا الى تقييد سلطات الملك واعطى الشعب الحق في الثورة اذا تجاوز الملك حدوده.
 وقد انتقلت هذه الافكار الى فرنسا وكان داعيتها – ولكن بشكل معدل- مونتسكو الذي حاول ان يضع امام الناس نظاماً يقوم على اساس احترام حرية الفرد ويقيد سلطات الحاكم، ويربط عمل الحكومة بمصلحة الشعب ككل لا بمصلحة الملك والارستقراطية. وهذا النموذج هو ما كان الشعب يبحث عنه ويريده. حكم يقوم على اساس الحرية واساسه الدستور والبرلمان المنتخب والملك المقيد السلطات.

واذا كان فولتير قد هز كيان النظام القديم، فها هو منتسكيو يضع نظاماً بديلاً لذلك النظام القديم.
 اما رسو فقد ذهب الى ما هو ابعد من ذلك، فهو يرى ان الافراد الذين يكونون مجتمعاً انسانياً يفعلون ذلك بمقضى عقد اجتماعي فيما بينهم ويجدون انه لكي تستقر الامور في مجتمعهم يجب ان تكون هناك سلطة عامه او ارادة عامة يخضعون جميعاً لها ويساهمون فيها على قدم المساواة، ومن هنا ظهرت الدولة على اساس العقد الاجتماعي الذي ابرمه افراد المجتمع.
 والحاكم هنا يحكم بصفته وكيل عن الامه وعليه ان يلتزم بما تريده الامة. واذا انحرف عن ذلك عزل من منصبه. ومن ثم فرسو ينكر أن يكون هناك حاكم يستمد سلطاته من مصدر غير الأمة، وبذلك حطم نظرياً النظام القديم ورفع من شأن الفرد، وجعل المساواة اساس المجتمع، ولهذا كان في نظر رجالات الثورة الفرنسية نبيها والداعي لها.