الثلاثاء,27 ديسمبر 2011 - 12:31 ص
: 2836
كتب كفاح محمود كريم
kmkinfo@gmail.com

لا أغلبية في العراق؟ (ان طبيعة تكوين العراق وشكل نظامه السياسي طيلة ثمانين عاما وما تخللها من حروب وإقصاء وظلم كارثي كبير ترك آثارا بالغة، لا يسمح بأي شكل من الأشكال قيام أغلبية تتفرد بالحكم، سياسية كانت أم قومية أو دينية مذهبية، حتى وان كانت من الناحية العددية تتفوق أو تتجاوز المكونات الأخرى..)



edf40wrjww2News:news_body
fiogf49gjkf0d
ربما يعتقد البعض إن مبدأ الأغلبية المعمول به في كثير من دول العالم ذات التكوين الواحد دينيا وعرقيا يمكن استخدامه في بلدان متعددة التكوينات الدينية والمذهبية والعرقية والقومية، كما في العراق وسوريا وتركيا وايران والكثير من البلدان الأخرى، حيث يمكن استخدامه فقط حينما يتم إلغاء الآخر تحت نظام أحادي شمولي مستبد كما كان في العراق وما يزال في كل من ايران وسوريا، أو تحت مضلة نظام ديمقراطي بصبغة عنصرية لا تعترف بالمكونات الأخرى، إلا حينما تتخلى عن خصوصياتها القومية والثقافية والسياسية، كما هو الحال في تركيا وإسرائيل، بحجة المواطنة التي تنصهر في كل الخصوصيات لصالح الخصوصية الأكبر!؟

     في العراق وبعد انهيار نظام صدام حسين الدكتاتوري وسقوط تلك الصيغة الأحادية التي حكمت البلاد ما يقرب من ثمانين عاما منذ تأسيس الدولة العراقية، بدأت مرحلة جديدة لوضع أسس نظام يعتمد في تكوينه على مشاركة كل المكونات القومية والدينية والمذهبية والعرقية، بما يؤسس تدريجيا لدولة المواطنة في ظل دستور يضمن حقوق كل المكونات ويحقق بقاء البلاد اتحادا اختياريا بين كل هذه الأطراف في نظام فيدرالي يمنحها حقوقها في الإدارة الذاتية وبتوافق اتخاذ القرار الاتحادي بما لا يدع مجالا لأي انفراد أو تفرد على حساب الآخرين، ولأجل ذلك كانت التوافقية التي ميزت طبيعة الحكم طيلة السنوات المنصرمة وحافظت على وحدة البلاد وعدم تجزئتها.

     ان طبيعة تكوين العراق وشكل نظامه السياسي طيلة ثمانين عاما وما تخللها من حروب وإقصاء وظلم كارثي كبير ترك آثارا بالغة، لا يسمح بأي شكل من الأشكال قيام أغلبية تتفرد بالحكم،  سياسية كانت أم قومية أو دينية مذهبية، حتى وان كانت من الناحية العددية تتفوق أو تتجاوز المكونات الأخرى، فالعراق يتكون وواقع حاله منذ تأسيسه من الناحية الدينية بأكثرية عددية مسلمة يعقبها المسيحيون والايزيديون والصابئة واليهود، ينتمون في أصولهم وقومياتهم إلى أكثرية عربية يشاركها الكورد ومكونات أخرى من الآشوريين والتركمان والكلدان والسريان والأرمن، حيث أظهرت السنوات الماضية ونتائج الانتخابات العامة الأخيرة ثلاث اصطفافات واضحة جدا تكثفت فيها ثلاث تكتلات مذهبية وقومية هي:
     التحالف الوطني والقائمة العراقية والتحالف الكوردستاني، التي تمثل مكونات العراق الرئيسية؛ الشيعة والسنة والكورد، ورغم وجود تداخلات في المكونات الثلاث كوجود كوادر شيعية في الكتلة العراقية، وبعض الكورد والتركمان في كلا القائمتين التحالف الوطني والعراقية وكذا الحال في التحالف الكوردستاني الذي يضم مكونات غير كوردية مثل الاشوريين والتركمان والكلدان والسريان والعرب، إلا أن واقع الحال وما يجري من تجاذبات وصراعات يمثل حقيقة المكونات الرئيسية للبلاد التي تتوزع جغرافيا ايضا حول العاصمة بغداد، في الجنوب والفرات الأوسط، والغرب وبعض من الشمال والشرق، والشمال مع بعض من الغرب والشرق لتكون اقاليما جغرافية وتاريخية متناسقة ومتجانسة، تتوحد جميعها حول عاصمة تاريخية لا تقبل ثقافتها الا أن تكون ملكا لكل المكونات والأديان والمذاهب، تلك هي بغداد التي تتقاسم فيها اليوم  المكونات الرئيسية والأخرى مواقعها الاتحادية في السلطات الثلاث بطواقم مترهلة ومتداخلة بغياب إعلان الفيدراليتين الاخريتين في كل من الجنوب والفرات الأوسط والغرب مع التلكؤ في حل مسألة المناطق المتداخلة بين إقليم كوردستان ومحافظات نينوى وديالى وصلاح الدين.

     ولنقرأ معا ما ذهب اليه الدكتور حامد العطية في مقال نشره مؤخرا تحت عنوان:
في العراق ثلاث فيدراليات لا واحدة!

    ( فدرالية المناطق الجغرافية مطلب لجمهرة من العراقيين، البعض منهم يدعوا لإقليم للوسط والجنوب، وهنالك من ينادي بإقليم لمحافظة البصرة فقط، لتمكين سكانها من الاستفادة من مواردها وموقعها الجغرافي، وبالأمس القريب قرأنا عن مشاريع لإنشاء إقليم في محافظة صلاح الدين وآخر في الأنبار وثالث في ديالى، واصحاب هذه الدعوات والمطالب يؤمنون بشرعيتها وتطابقها مع أحكام الدستور، لذا فإن فدرالية المناطق الجغرافية موجودة، وإن كانت على الورق وفي عقول الناس، وليس من المستبعد أن نشهد ولادتها في القريب العاجل ).
 
     وقبل ان ننهي مقالنا هذا دعونا نقرأ ما قاله الملك فيصل الاول قبل ثمانين عاما وهو يصف شكل بلادنا:

 " إن البلاد العراقية هي من جملة البلدان التي ينقصها أهم عنصر من عناصر الحياة الاجتماعية، ذلك هو الوحدة الفكرية والملّية والدينية، فهي والحالة هذه، مبعثرة القوى، مقسمة على بعضها، يحتاج ساستها أن يكونوا حكماء مدبرين، وفي عين الوقت، أقوياء مادة ومعنى، غير مجلوبين لحسيات أو أغراض شخصية، أو طائفية، أو متطرفة، يداومون على سياسة العدل، والموازنة، والقوة معا، وعلى جانب كبير من الاحترام لتقاليد الأهالي، لا ينقادون إلى تأثرات رجعية، أو إلى أفكار متطرفة، تستوجب الرد."*

     وللأسف الشديد لم يك حكام البلاد حكماء الى الدرجة التي يدركوا حقيقة مكونات العراق لكي يؤسسوا بموجبها دولتهم العتيدة، فاستولت مجموعة لكي تهمش الأخرى وتلغي وجودها أو تستعبدها طيلة عقود سوداء من التكوين الخطأ، دفعت البلاد والعباد الى الدمار والخراب في حروب عبثية في الداخل والخارج، حتى تعرضت البلاد الى الاحتلال الكامل طيلة ما يقرب من عقد من السنين، وها هي تترك البلاد ما زالت تأن تحت جراح الاحتراب غير المعلن والاختلاف الشديد حد التنازع بين مكوناتها الأساسية، التي ما زالت بعض النخب السياسية فيها تتغنى بعراق مركزي تنصهر فيه كل مكوناته لصالح ما يسمى بالأغلبية السياسية تارة والقومية تارة أخرى والمذهبية تارة ثالثة، وفي كل هذه الادعاءات يكون اتجاهها واحد بالتأكيد هو غير العراق الديمقراطي الاتحادي التعددي!؟
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*عن الجزء الثالث من تاريخ الوزارات لعبد الرزاق الحسني، من ص 300 وما بعد.
kmkinfo@gmail.com


اقرأ ايضآ

بكل صراحه بكل صراحه
بواسطة safiedeyab
السبت,30 نوفمبر 2013 - 07:41 ص
إقرا المزيد
اليأس خيانة
بواسطة abdelghanyelhayes
الخميس,9 مايو 2013 - 06:39 م
إقرا المزيد
داعش وملحقاتها!
بواسطة kmkinfo
الأربعاء,3 ديسمبر 2014 - 11:49 م
إقرا المزيد
يوزر سيف ينتصر من جديد؟
بواسطة kmkinfo
الثلاثاء,16 يوليه 2013 - 10:03 م
إقرا المزيد
الصدمة المرتدة !
بواسطة khmosleh
الإثنين,13 أغسطس 2012 - 03:59 ص
إقرا المزيد
مرسى الحالم الحليم
بواسطة abdelghanyelhayes
الأربعاء,19 يونيو 2013 - 03:21 ص
إقرا المزيد
عذرا اخى
بواسطة abdelghanyelhayes
الأحد,25 أغسطس 2013 - 12:11 م
إقرا المزيد
بيروت وعشق كوردستان!
بواسطة kmkinfo
الثلاثاء,26 نوفمبر 2013 - 01:02 م
إقرا المزيد

التعليقات

الآراء الواردة تعبر عن رأي صاحبها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع




الأكثر قراءة

عقوبات التزوير في القانون المصري - عدد القراءات : 80207


الموجة الرابعة للتحول الديمقراطي: رياح التغيير تعصف بعروش الدكتاتوريات العربية - عدد القراءات : 67333


تعريف الحكومة وانواعها - عدد القراءات : 55816


النظام السـياسي الفرنسي - عدد القراءات : 52930


طبيعة النظام السياسي البريطاني - عدد القراءات : 51403


مفهوم المرحلة الانتقالية - عدد القراءات : 49253


معنى اليسار و اليمين بالسياسة - عدد القراءات : 46263


مفهوم العمران لابن خلدون - عدد القراءات : 45845


ما هى البورصة ؟ و كيف تعمل؟ وكيف تؤثر على الاقتصاد؟ - عدد القراءات : 44585


منظمة الفرانكفونية(مجموعة الدول الناطقة بالفرنسية) - عدد القراءات : 44046


الاكثر تعليقا

هيئة الرقابة الإدارية - عدد التعليقات - 38


اللقاء العربي الاوروبي بتونس من أجل تعزيز السلام وحقوق الإنسان - عدد التعليقات - 13


ابو العز الحريرى - عدد التعليقات - 10


الموجة الرابعة للتحول الديمقراطي: رياح التغيير تعصف بعروش الدكتاتوريات العربية - عدد التعليقات - 9


لا لنشر خريطة مصر الخاطئة او التفريط في شبر من أراضيها - عدد التعليقات - 7


الجهاز المركزي للمحاسبات - عدد التعليقات - 6


تعريف الحكومة وانواعها - عدد التعليقات - 5


الليبرالية - عدد التعليقات - 4


محمد حسين طنطاوي - عدد التعليقات - 4


أنواع المتاحف: - عدد التعليقات - 4


استطلاع الرأى