السبت,8 ديسمبر 2012 - 01:17 م
: 2936
كتب محمد حسن القاضي
info@elsyasi.com
مع تصاعد التوتر وتزايد حدة الانقسام والاستقطاب السياسي عقب الإعلان الدستوري الأخير والدعوة إلى الاستفتاء على الدستور الجديد، تقف مصر على حافة الهاوية، حيث لم يعد يتبقى إلا أن تدخل البلاد مرحلة الفوضى الشاملة.
edf40wrjww2News:news_body
fiogf49gjkf0d
فالإعلان الدستوري المتضمن لصلاحيات رئاسية دكتاتورية، والدعوة المتسرعة إلى الاستفتاء على الدستور قبل تحقيق درجة ملائمة من التوافق عليه، قد مثلا صدمةً كبيرة لقطاعات عريضة من الجماهير التي تعاني أصلاً حالة مريرة من اليأس والإحباط العام الناجم عن عدم الشعور بأي تغيير إيجابي حقيقي يرضي طموحات الشعب، ويلبي بعض الآمال التي راودت الكثيرين عقب ثورة يناير. لقد أتت هذه التطورات لتٌفاقِم من حالة الإحباط والسخط العام، ولتخلق حالة غير مسبوقة من الاستقطاب والانقسام السياسي الحاد الذي يدفع باتجاه حالة خطيرة من الصراع العنيف الذي سيقوض ما تبقى من مقومات الدولة، ولاسيما في ظل تردي الأوضاع الاقتصادية، وعجز السلطة السياسية وتخبطها وإخفاقها في مواجهة الأزمات، الأمر الذي قد يدخل البلاد في حالة من الفوضى الشاملة.
ومن الخطأ الجسيم الظن بأن الاستفتاء على الدستور الجديد، إن تم، سوف يؤدي إلى نزع فتيل الأزمة أو إنهاء حالة الانقسام القائمة، فالذهاب إلى الاستفتاء على الدستور دون تحقيق التوافق يمثل جزءاً من المشكلة وليس جزءاً من الحل، وسيكون له عواقب وخيمة في كافة الأحوال، فإذا أسفر الاستفتاء عن الموافقة على الدستور الجديد فسوف تستمر حالة الانقسام والاستقطاب والصراع السياسي الحاد إلى أجل غير مسمى، وإذا أسفر الاستفتاء عن رفض الدستور سوف تعود الأمور من جديد إلى نقطة الصفر بالدخول في حلقة جديدة من الجدل والخلاف حول طريقة تشكيل جمعية تأسيسية أخرى لوضع الدستور، الأمر الذي يعني ضياع المزيد من الوقت والجهد والمال، خصماً من رصيد البلاد وإهداراً لمقدراتها، على أمر كان من الممكن أن يكون قد حٌسِم منذ فترة طويلة لولا ترقيع الدستور القديم وتمريره في استفتاء مارس2011 بدلاً من تشكيل جمعية تأسيسية عن طريق الانتخاب المباشر لوضع الدستور الجديد، في إطار حوار مجتمعي عقلاني وجاد وحقيقي، بعيداً عن التضليل والخداع الذي مارسته قطاعات كبيرة من النخبة السياسية بشكل فج ومشين، سعياً وراء مصالحها الخاصة.
إن مصر الآن تدفع ثمناً فادحاً لغباء وانتهازية غالبية نخبتها السياسية؛ وللأسلوب الكارثي غير الرشيد الذي أٌديرت به البلاد على مدى العامين الماضيين؛ والتباطؤ والمراوغة في تحقيق مطالب الثورة، وعلى رأسها المحاسبة الرادعة للمسئولين عن إفساد الحياة السياسية وعن قتل المتظاهرين، وتطهير مؤسسات الدولة وإعادة بنائها على أسس سليمة؛ والافتقاد للشعور بالمسئولية الوطنية وتغليب المصالح الخاصة على المصلحة الوطنية؛ والانتهازية السياسية التي مارستها العديد من القوى السياسية، وفي مقدمتها جماعة الإخوان، تلك الانتهازية التي تجلت بشكل سافر في جر البلاد إلى الطريق الخطأ والكارثي بترقيع الدستورالقديم وتمريره عبر تضليل الشعب وخداعه. ومن المستغرب أن ينادي بعض قادة الإخوان الآن بتغليب المصلحة الوطنية العليا للبلاد، في حين أن جماعة الإخوان كانت على رأس من ضرب بالمصلحة الوطنية عرض الحائط في أعقاب ثورة يناير، بانسياقها خلف مصالحها الخاصة في إطارسعيها المحموم إلى الإنفراد بالسلطة دون أدنى تقدير أو إدراك سليم للظروف الحرجة والتحديات السياسية والاقتصادية والاجتماعية الصعبة في هذه المرحلة التاريخية الحاسمة، والتي تفوق قدرات جماعة الإخوان أو قدرات أي فصيل سياسي مهما كانت قوته أو شعبيته، تلك الظروف والتحديات التي يستحيل التعامل معها بكفاءة وفاعلية في ظل مناخ الإقصاء والتهميش والانتهازية والاستئثار بالسلطة، والتي تتطلب تضافر جهود كافة القوى السياسية والشعبية لمواجهتها.
* الكاتب: دكتوراه في النظم السياسية المقارنة وخبير في الشؤون السياسية العربية.