الجمعة,22 فبراير 2013 - 10:00 ص
: 5569
كتب هشام عبد الفتاح الإديب
hishamaladeeb@yahoo.com

الله أكبر، لقد علقته على عمود النور الله أكبر، لقد علقته على عمود النور



edf40wrjww2News:news_body
fiogf49gjkf0d

عذبته؟ سَحَلته على الأسفلت؟ ِانسلخ جلد وجهه وأنا أجرّه على الطريق؟ شرّحت جسده بالسيوف والسكاكين؟ ثم قتلته؟ ثم صَلبته على عمود الإنارة؟ الناس فرِحين يصرخون "الله أكبر"! ثم استرحت أنا ونمتُ قرير العين؟ هنيئاً لي !!
 
هذه بالضبط هي المأساة الذي حدثت منذ أيام في مدينة الشرقية، تم سحل وذبح وتعذيب وقتل وصَلب شابين مصريين (بتهمة) خطفهما لأحد الأطفال وقتله، العجيب أن هذا الأمر تكرر عشرات المرات خلال العامين الماضيين، والأعجب هو أن جمهوراً عريضاً يستسيغ هذه الأفعال بل ويثني عليها بحجة غياب العدل.

هل هكذا يتحقق العدل؟ كيف تكون أنت الخصم والحكم، الضحية والجلاد، كيف تعامل البلطجي ببلطجة أشد من بلطجته؟! فتتفوق عليه في إجرامه!!
لكن لماذا يَقبل الكثير من الناس هذه الأفعال على أنها تطبيق لحد الحرابة؟ وماهي الحرابة وما ضوابطها؟ ومن المسئول عن تطبيقها؟ هل يقبلها البعض لإرضاء رغبة في الانتقام والتشفّي؟ هل يجدون لذة في ذلك؟ أم بسبب وازع ديني؟
 
هل لأن كتب الحديث تروي قصة رجل قتل امرأته الحامل بأن شق بطنها وسقطت وسقط طفلها ميتاً، ثم ذهب إلى النبيّ يحكي له كيف قتل زوجته لأنها كانت تسبّ النبيّ محمد، فلم يعاقبه النبيّ بل أهدر دمها (سنن أبي داود الحديث 4361 و 4362)؟ هل لأن رجال الدين لم يكلفوا أنفسهم مشقة التحقق من صحة هذه الأحاديث التي تجعل للإنسان الحق في عقاب من يشاء كيفما يشاء ثم لا يجد رادعاً؟
 
هل لأن الآية تقول (إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فساداً أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض)، ولم يكلف رجال الدين أنفسهم أن يُـفهموا العوام البسطاء أن هذه الطرق في العقاب قد اندثرت وانتهت إلى غير رجعة، مثلها مثل (وما ملكت أيمانكم). وأن الزمان قد تغير، وأن العالم قد بلغ مرتبة من احترام الإنسان وكرامته لا تسمح بهذه الممارسات مهما كان الجُرم؟
 
هل لأن وسائل الإعلام في بلدي لا تهتم إلا بالجرائم التي ترتكبها الحكومة فقط؟ لكنهم يغضون الطرف عن جرائم أبشع منها يرتكبها المواطن في حق أخيه، علناً جهاراً نهاراً على مرئى ومسمع الجميع، يُربط الرجل في السيّارة ويطوفون به المدينة والحمقى يهللون "الله أكبر"، في مشهد وضيع يعود بالزمان إلى عصر الجاهلية وما هو أدنى منه.
 
لكن العوام الذي اقترفوا مثل هذه الوحشية والتمثيل بالأحياء والأموات وصلبهم على أعمدة الإنارة، هؤلاء ربما لا يعرفون أصلاً القصة السابقة من سنن أبي داود ولا الآية الكريمة المذكورة، ولا هم يهتمون بالمشايخ ولا برجال الدين ولا بأبواق الإعلام.
 
لكنها شريعة الغاب وقوانين الحظيرة، أن يكون الموت مجانيّاَ، بلا طعمٍ، ولا حزنٍ، كأن الميتين كلاباَ، أو ذباباً. أستحضر في كل لحظة أمام هذه المشاهد كلمات الراحل نزار قباني..
"نموت مجاناً، كما الذباب في إفريقيا، نموت كالذباب..
ويدخل الموت علينا ضاحكاً، ويقفل الأبواب..
نموت مقهورين، منبوذين، ملعونين، منسيين كالكلاب.."
 
لأن المشايخ علمونا أن حد الحِرابة عدلٌ، وهو تعذيب الأحياء والتمثيل بالموتى.
لأنهم علمونا أن رجم الزاني شرفٌ، وهو أن تسحق عظامه ببطء في بشاعةٍ حتى يموت.
لأنهم علمونا أن قطع جزء من جسد المرأة عفة، وهو أن تحرمها اللذة والإحساس بجسد زوجها أبداً.
لأنهم علمونا أن قطع يد السارق هو شرع الله، في زمان يجاهد الطب فيه ليعيد وصل الأطراف وشفاء المرضى.
لأنهم علمونا أن قتل المرتد واجب، لأنه مارس جريمة التفكير واعتقد في نفسه ما يشاء.
علمنا هؤلاء أن العنف مباحٌ وفيه الشفاء من كل داء.
ومارسنا العنف في بيوتنا وفي المدارس والطرقات، حتى صار العنف شريعة والفوضى قصاص.

علينا جميعاً أن ننتبه، من أن نخرج إلى العالم جيلاً آخر يحركه الحقد والعنف، وتكون الكراهية شريعته.
 
علموا أولادكم المحبة والتسامح، وأن يكون العقل لهم ديناً، في زمن فشل فيه رجال التربية ورجال الدين من أن يخرجوا للعالم إلا هذا الجيل الحقود الكاره، الذي يرى البشاعة ترتكب أمام عينه، فلا يبكي أو يصرخ أو ينتفض، نريد جيلاً آخر أفضل منا مختلف الملامح، عاقلاً مفكراً يقرأ ويتعلم ويسامح.




اقرأ ايضآ

لا تراجع لا استسلام
بواسطة abdelghanyelhayes
السبت,18 مايو 2013 - 02:02 م
إقرا المزيد
رهاب ( فوبيا ) اوباما من نتنياهو !!
بواسطة khmosleh
الأربعاء,5 أكتوبر 2011 - 05:27 ص
إقرا المزيد
جولة أوباما ما بين الطرب والترقيع
بواسطة admin
الثلاثاء,26 مارس 2013 - 03:58 م
إقرا المزيد
لكي لا يغتالوا لبنان؟
بواسطة kmkinfo
الثلاثاء,7 يناير 2014 - 12:49 م
إقرا المزيد
الاستعدادات الاسرائيلية!
بواسطة khmosleh
الخميس,12 يوليه 2012 - 04:44 ص
إقرا المزيد
مرسى بين شقى الرحى
بواسطة abdelghanyelhayes
الإثنين,16 يوليه 2012 - 04:19 م
إقرا المزيد

التعليقات

الآراء الواردة تعبر عن رأي صاحبها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع




الأكثر قراءة

عقوبات التزوير في القانون المصري - عدد القراءات : 80188


الموجة الرابعة للتحول الديمقراطي: رياح التغيير تعصف بعروش الدكتاتوريات العربية - عدد القراءات : 67155


تعريف الحكومة وانواعها - عدد القراءات : 55785


النظام السـياسي الفرنسي - عدد القراءات : 52913


طبيعة النظام السياسي البريطاني - عدد القراءات : 51385


مفهوم المرحلة الانتقالية - عدد القراءات : 49222


معنى اليسار و اليمين بالسياسة - عدد القراءات : 46246


مفهوم العمران لابن خلدون - عدد القراءات : 45830


ما هى البورصة ؟ و كيف تعمل؟ وكيف تؤثر على الاقتصاد؟ - عدد القراءات : 44569


منظمة الفرانكفونية(مجموعة الدول الناطقة بالفرنسية) - عدد القراءات : 44027


الاكثر تعليقا

هيئة الرقابة الإدارية - عدد التعليقات - 38


اللقاء العربي الاوروبي بتونس من أجل تعزيز السلام وحقوق الإنسان - عدد التعليقات - 13


ابو العز الحريرى - عدد التعليقات - 10


الموجة الرابعة للتحول الديمقراطي: رياح التغيير تعصف بعروش الدكتاتوريات العربية - عدد التعليقات - 9


لا لنشر خريطة مصر الخاطئة او التفريط في شبر من أراضيها - عدد التعليقات - 7


الجهاز المركزي للمحاسبات - عدد التعليقات - 6


تعريف الحكومة وانواعها - عدد التعليقات - 5


الليبرالية - عدد التعليقات - 4


محمد حسين طنطاوي - عدد التعليقات - 4


أنواع المتاحف: - عدد التعليقات - 4


استطلاع الرأى