الثلاثاء,25 يونيو 2013 - 01:15 م
: 2810
كتب محمد حسن القاضي
info@elsyasi.com
من الطبيعي أن يكون العد التنازلي لخروج جماعة الإخوان من السلطة قد بدأ منذ فترة طويلة. فنتيجةً للانتهازية السياسية التي اتسمت بها غالبية مواقف الجماعة، والأخطاء الفادحة التي وقعت فيها، وإخفاقها السياسي الواضح، أصبح أمر خروجها من السلطة مسألة حتمية، سواءً جرى ذلك من خلال فعاليات الثلاثين من يونيو، أو عبر الاحتكام إلى صناديق الاقتراع في أي استحقاق انتخابي لاحق.
edf40wrjww2News:news_body
fiogf49gjkf0d
فقد اتسمت ممارسات جماعة الإخوان بـ "الطفولية السياسية" والرعونة وسوء التقدير، وأظهرت بشكل جلي مدى انخفاض وعيها السياسي، وضعف رؤيتها المستقبلية، فضلاً عن الافتقار إلى الشعور بالمسئولية الوطنية. وهو ما اتضح من خلال العديد من المواقف، كالدفع باتجاه ترقيع الدستور في مارس 2011، طمعاً في الوصول السريع إلى السلطة، الأمر الذي انعكس سلباً فيما بعد على النفوذ السياسي للجماعة من خلال حل مجلس الشعب الذي فازت بغالبية مقاعده، بحجة عدم دستوريته، والحكم ببطلان مجلس الشورى أيضاً، أي أن الجماعة قد وضعت بنفسها العراقيل أمام أي عمل سياسي إيجابي سواءً من قِبلها أو من قِبل الآخرين، مما أفقد النظام الحاكم أي شكل من الفعالية السياسية. وكذلك الانفراد بصياغة الدستور الجديد، والتسرع في إقراره دون تحقيق التوافق الوطني العام حوله، بدعوى الرغبة في الإسراع بتحقيق الاستقرار السياسي، وهو ما لم يحدث. إضافةً إلى سعي الجماعة إلى الهيمنة على مؤسسات الدولة، دون أي اعتبار للمصلحة الوطنية التي تستدعي تغليب الاعتبارات الموضوعية المتعلقة بالكفاءة والفاعلية على اعتبارات الانتماء إلى الجماعة أو الولاء لها.
لذلك كان من الطبيعي أن تنخفض الشرعية السياسية للرئيس، المنتمي إلى جماعة الإخوان، وحكومته إلى أدنى درجة. خاصةً بعد إهدار "الشرعية الثورية"، في ظل عدم تحقيق أيٍ من مطالب ثورة 25 يناير، وعلى رأسها المحاسبة الرادعة لرموز النظام الفاسد السابق، والقصاص للشهداء، وتطهير مؤسسات الدولة، وإعادة بنائها على أسس جديدة، تتوافق مع ما رفعته الثورة من شعارات تتعلق بالحرية والكرامة والمساواة والعدالة. وذلك فضلاً عن الفشل الذريع في تحقيق أي قدر من "شرعية الإنجاز" من خلال النجاح في الارتقاء بالأوضاع الاقتصادية والاجتماعية. بل على العكس تدهورت هذه الأوضاع بشدة، في ظل تصاعد العديد من المؤشرات الاقتصادية السلبية على نحو كارثي وغير مسبوق.
وفي هذا الإطار تجدر الإشارة إلى عدم صحة الزعم بأن حالة عدم الاستقرار، وممارسات المعارضة السياسية هي السبب الأساسي في تدهور الأوضاع، وأنها هي التي تسببت في إعاقة الرئيس وحكومته عن تحقيق أي تقدم. فهذا القول غير منطقي، فالرئيس وجماعته وحكومته يتحملون بالأساس القدر الأكبر من المسئولية عن حالة عدم الاستقرار التي جاءت كنتيجة لتقصيرهم ولقراراتهم الخاطئة. كما أنه ليس من المفترض أن تكون الأوضاع العامة إيجابية وملائمة، وأن يكون المجال السياسي مواتياً وودياً حتى تعمل القيادات السياسية والحكومات، بل على العكس من الطبيعي أن يتسم المجال السياسي بالتنافس والعدائية وعدم الملاءمة، وينبغي على القيادة السياسية أن تمتلك القدرة والكفاءة على تهيئة هذا المجال وتطويعه لصالح نشاطاتها ولصالح المجتمع، وإلا فما فائدة القيادة السياسية وما دورها؟!
ومن الخطأ الجسيم الظن بأن حالة التوتر والخلاف القائمة الآن بين قطاعات شعبية واسعة من جهة، والنظام السياسي الحاكم ومؤيديه من جهة أخرى هو خلاف بين إسلاميين وغير إسلاميين، أو بين ليبراليين أوعلمانيين وإسلاميين، فالأمر غير ذلك، فالخلاف القائم هو خلاف بين نظام سياسي فشل فشلاً بيناً في تحقيق أي إنجازات ملموسة، أو في الوفاء بالحد الأدنى من وعوده، وبين قطاعات شعبية محبطة وغاضبة نتيجةً لعدم الشعور بأي تغيير إيجابي حقيقي يرضي بعض الطموحات، ويلبي الآمال العريضة التي راودت الكثيرين في أعقاب ثورة 25 يناير. ولهذا أصبح استمرار بقاء هذا النظام في السلطة أمراً بالغ الصعوبة، إن لم يكن مستحيلاً، فالشعوب الكبيرة لا ترحم، ومطالبها الملحة لا تحتمل التأجيل كثيراً، وحكم الدول يتخطى مجرد الشعارات البراقة، والخطابات الصاخبة.
وفي حين يبدو التغيير السياسي حتمياً ووشيكاً، إلا أنه من المؤكد أن ثمن هذا التغيير لن يكون هيناً، بل سيكون فادحاً. حيث من المتوقع أن تتفاقم حالة الانقسام والصراع والاستقطاب السياسي الحاد، مع ما قد يترتب على ذلك من احتمالية تفجر العنف على نطاق واسع، وتصاعُد تدخل المؤسسة العسكرية في الحياة السياسية. وذلك فضلاً عن احتمالية عودة الأمور من جديد إلى نقطة الصفر بالدخول في حلقة أخرى من الإجراءات المتعلقة بأسس الانتقال السياسي وخطواته، بما فيها صياغة دستور جديد، الأمر الذي يعني ضياع المزيد من الوقت والجهد والمال، خصماً من رصيد البلاد، المنهكة أصلاً، وإهداراً لمقدراتها. لكن يبدو أن هذا هو الثمن الذي يتحتم على مصر أن تدفعه بسبب غباء وانتهازية غالبية نخبتها السياسية، وبسبب الأسلوب الكارثي غير الرشيد الذي أُديرت به البلاد على مدى الفترة السابقة، والتضليل السياسي المتواصل والمكثف، والتباطؤ والمراوغة في تلبية المطالب المشروعة للثورة.